الأزمة المالية الأسيوية عام 1997

الأزمة المالية العالمية الحالية التي تعد الأسوأ منذ الكساد العظيم والتي ألقت بظلالها على كل دول العالم تقريبا تعيد لنا ذكريات أزمة أخرى عنيفة ضربت الاقتصاد الأسيوية والعالمي من بعده في عام 1997 . لهذا ستلقي النظر على هذه الأزمة الأسيوية لمعرفة الأسباب الحقيقية وراءها وهل هناك تشابه بينها وبين ما تعانيه الاقتصاديات العالمية حاليا من أزمة أطاحت بمعدلات النمو في كبرى الاقتصاديات لتجبر دول العالم على العيش في عصر يشهد تجمدا ائتمانيا عنيفا.

كانت البداية مع تايلاند في تموز عام 1997 عندما تراجعت عملتها البات على نحو عنيف وغير متوقع لينتشر الفزع إلى الدول الأسيوية المجاورة لينتج عن هذا تراجع باقي العملات الأسيوية مثل الروبية الاندونيسية والوون الكوري الجنوبي بجانب الرينغيت ساك الماليزي ليؤدي هذا إلى انهيار أسواق المال الأسيوية وتأخذ الأزمة شكلا عالميا انهار على أثرها سعر برميل النفط ليصل إلى 8 دولار في نهايات عام 1998 وهو ما أدى إلى حدوث أزمة أخرى بين الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك.

الفترة التي نشأت بها الأزمة الأسيوية كانت تشهد نموا مستمر من جانب دول شرق أسيا وكانت تملك هذه الدول أرصدة هائلة من العملات الأجنبية نتيجة الانفتاح التجاري الذي شاهدته هذه الدول والاعتماد بشكل أساسي على الصادرات في دعم مستويات النمو بها. وقد تعرضت قطاعات الصادرات في هذه الدول لهذه شديدة أضعف من قدرة المنافسة لبضائع هذه الدول وذلك بعد قيام الصين عام 1994 بخفض أسعار صرف عملاتها.

فدول المنطقة الأسيوية كانت تحاول جاهدة لتطبيق سياسة الاقتصاد الرأسمالي الحر الذي يعتمد على تخفيف القيود والقوانين على رؤوس الأموال وتشجيع الاستثمار الخارجي والحفاظ على معدلات الفائدة الداخلية العالية من اجل استيعاب استثمار المحافظ ورأسمال البنوك، وخفض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار من أجل طمأنة المستثمرين الأجانب من مخاطر العملة. ولكن توافق هذا الانفتاح الرأسمالي مع المشكلات المتواجدة بالفعل في كل دولة في المنطقة الأسيوية على حدة، مثل الفساد في تايلاند، والمحسوبية في اندونيسيا، وضعف القطاع المالي في كوريا الجنوبية مما أصبح بداية النهاية لهذا التوسع الاقتصادي.

النمو الاقتصادي الكبير الذي حققه الاقتصاد الأسيوي في عام 1997 أخفى التأثير السلبي لسياسة الإقراض الخاطئ بالنسبة للمصارف، وعندما أظهرت الأزمة عدم قدرة البنوك المركزية الأسيوية في السيطرة على الأمور ومنع السقوط المدوي في قيم عملاتها، قامت الشركات الأجنبية بسحب رؤوس أموالها ونقلها إلى استثمارات جديدة في بلاد جديدة. ونتيجة لهذا قل الطلب على العملات الأسيوية وهو ما عمل على انخفاض قيمها أمام الدولار الأمريكي، فقد انخفضت عملة اندونيسيا بنسبة -84% وعملت كورية الجنوبية بنسبة -41% وعملة تايلاند بنسبة -38% خلال الفترة من حزيران 1997 إلى حزيران 1998 .

مع هذا الانهيار في قيم العملات الأسيوية قامت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة للعمل على منع العملات من الانخفاض أكثر والتقليل من خروج الأرصدة بشكل كبير من البلاد. ومع الارتفاع في معدلات الفائدة انعكس هذا بشكل واضح على معدلات النمو الاقتصادي التي بدأت تتراجع في البلدان الأسيوية مع استمرار الاستثمارات من الخروج من البلاد واستمرار أسعار الفائدة في الارتفاع، وهو ما أثر على معدلات الثقة في الجبهة الداخلية للبلاد في قدرة البنوك المركزية والحكومات على مواجهة الانهيار في قيمة العملات ومعدلات النمو في مختلفة القطاعات الاقتصادية.

أيضا أحد العوامل التي ساهمت في توسع الأزمة هو الترابط القوي بين هذه الاقتصاديات وهو الذي أدى إلى ظهور سلسلة من ردود الأفعال جعلت من الصعب احتواء الأزمة، كما ساعدت سياسة الانفتاح أو العولمة وضعف الإدارة وانعدام الثقة لدى الأسواق وضعف القطاع المالي في الدول الأسيوية على توسع الأزمة وانتشارها بين القطاعات الاقتصادية المختلفة في الدول المتأثرة. هذا و قام القطاع الخاص بزيادة اقتراضه من السوق الدولية بالعملات الأجنبية من غير أن يحمي نفسه من مخاطر أسعار الصرف بين إيراداته بالعملة المحلية والتزاماته بالعملات الأجنبية.

العلاقات المالية الغير واضحة المعالم بين حكومات الدول الأسيوية وبين مؤسسات القطاع الخاص والمجال المصرفي، وتوجيه المؤسسات المالية في هذه البلدان نسبة كبيرة من التدفقات النقدية في قطاع اقتصادية مختلفة هذا بجانب افتقار الشفافية التي تعكس الوضع الحقيقي للنظام المالي؛ أدى في النهاية إلى جعل اقتصاديات مثل اندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلاند وماليزيا في أن تتعرض إلى الأزمة بأكثر من غيرهما.

وسط هذا التدهور الحاد في المنطقة الأسيوية كان يجب على صندوق النقد الدولي التدخل لإنقاذ الاقتصاديات الأسيوية التي نالت منها الأزمة بشكل كبير، وقد جاء هذا التدخل من قبل صندوق النقد الدولي عند طريق تقديم العديد من الخطط المالية التي تهدف بشكل أساسي إلى تحقيق الاستقرار في النظام المالي في الدول المتضررة من الأزمة ومساعدة النمو الاقتصادي على النهوض مجددا.

صندوق النقد الدولي كان لتدخله بإنقاذ الاقتصاديات الأسيوية شروطا بشأن إعادة الهيكلة المالية في البلاد، هذه الشروط التي رفضتها بعض الدول الأسيوية مثل ماليزيا كما هناك العديد من المحللين الذين يعتقدون أن صندوق النقد الدولي كان أحد الأسباب التي تسببت في هذه الأزمة منذ تشجيعه للتحول السريع إلى الرأسمالية في الاقتصاديات الأسيوية مما أدى إلى تقليص القيود الحكومية على تدفق رؤوس الأموال. هذا وقد قام صندوق النقد الدولي بتزويد تايلاند بدعم نقدي بقيمة 17 بليون دولار في 11 من آب عام 1997 بجانب خلق قيود وإرشادات للبنوك في تايلاند لاتبعاها، وبعد ذلك بتسعة أيام قام الصندوق بتقديم خطة جديدة بقيمة 3.9 بليون دولار .

سنتطرق الآن إلى الدول الأسيوية التي عانت من الأزمة خلال عام 1997 لنظهر مدى الأثر السلبي الناتج عن هذه الأزمة…

تايلاند

نبدأ مع تايلاند منذ كون شرارة الأزمة المالية قد صدرت من عندها، في الفترة ما بين عام 1985 و 1995 شهد الاقتصاد التايلاندي متوسط نمو بنسبة 9%، وفي 14 و 15 من أيار عام 1997 شهدت العملة المحلية البات مضاربات عنيفة عليها، وكان نتيجة هذا خروج رئيس الوزراء التايلاندي في نهاية شهر حزيران بتصريح بأن الحكومة لن تقوم بخفض قيمة عملتها، ولكن بعد ذلك قامت الإدارة في تايلاند بتعويم عملتها في الثاني من تموز.

الأزمة الاقتصاديات التي حدثت في دول أمريكا الجنوبية تسببت في ضعف الثقة لدى المستثمرين حول العالم وأجبرت رؤوس الأموال على سحب استثماراتهم من الدول المختلفة وعلى رأسهم الدول الأسيوية. والجدير بالذكر أن العملة التايلاندية قد تم ربطها عند 25 بات إلى الدولار خلال الفترة ما بين عام 1985 و 1997 ولكنها فقدت بعد ذلك نصف قيمتها تقريبا لتصبح عند 56 بات إلى الدولار بحلول عام 1998 حيث قام صندوق تحوط في الولايات المتحدة في عام 1996 ببيع 400 مليون دولار من العملة التايلاندية لتكون بداية نهاية تقييم العملة.

أسواق الأسهم في تايلاند شهدت أيضا العديد من الخسائر بسبب الضعف الذي أصاب العملة فقد انخفضت أسواق الأسهم في تايلاند بنسبة 75% في عام 1997 وقد صاحب هذا إفلاس شركة (Finance One) أكبر الشركات المالية .

الفلبين

البنك المركزي في القلبين قام برفع أسعار الفائدة بمقدار 1.75% في شهر أيار ثم رفعها مرة أخرى بقيمة نقطتين أساس في 19 حزيران. ركز البنك المركزي اهتمامه على الحفاظ على قيمة العملة البيزو وذلك عن طريق عمليات رفع أسعار الفائدة التي وصلت من 15% إلى 32%، وبالرغم من هذا التدخل الضخم من قبل البنك المركزي استمرت العملة في التدهور أمام الدولار من 26 بيزو للدولار الواحد في تموز 1997 لتصل إلى 54 بيزو للدولار الواحد في شهر آب 2001 .

هونج كونج

أيضا تأثر الاقتصاد في هونج كونج جاء نتيجة الضعف الشديد الذي أصاب عملته بعد التدهور في قيم العملات الأسيوية الأخرى. وبجانب هذا عانى البنك المركزي من معدلات التضخم المرتفعة عنده بأكثر من مثيلاتها في الولايات المتحدة الأمريكية، والاحتياطي النقدي لدى هونج كونج الذي وصل إلى 80 بليون دولار، ونتيجة هذا قام البنك برفع أسعار الفائدة للعمل على المحافظة على قيمة الدولار في هونج كونج. هذا وقد قام البنك بإنفاق أكثر من 1 مليون دولار بهدف المساعدة على دعم العملة وإيقاف الخسائر الضخمة التي حلت بها.

المخاوف في الأسواق والمضاربات على أسعار الأسهم أصاب سوق الأسهم في هونج كونج بانخفاض حاد بنسبة 23% خلال ثلاثة أيام فقط من 20 إلى 23 تشرين الأول عام 1997 ويرجع هذا إلى المضاربات في الأسواق وإلى الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة الذي لجأ إليه البنك المركزي في هونج كونج حيث وصلت إلى 500% من 8% وكنتيجة عكسية لارتفاع أسعار الفائدة شهدت أسعار الأسهم انخفاضا نتيجة تراجع الطلب على أسواق الأسهم بشكل كبير ونقل الأموال ورؤوس الأموال إلى النظام المصرفي أو إلى دول أخرى.

كوريا الجنوبية

تأثير الأزمة على كوريا الجنوبية اثر بشكل كبير على اقتصادها الحقيقي، فالشركات التي تورطت في عمليات الاستثمار الرأسمالي بالاشتراك مع غيرها من الاقتصاديات الأسيوية أدى في النهاية إلى فشلها إلى تحقيق الربح وهو ما دفع الشركات إلى الإفلاس أو استيلاء بعضها على بعض. ونتيجة لهذا عانت كوريا الجنوبية من تخفيض في التصنيف الائتماني من قبل مؤسسة التصنيف الائتماني Moody’s حيث تم تخفيض التصنيف الائتماني لكوريا الجنوبية إلى A3 من A1 في تشرين الثاني من عام 1997 وتم تخفيضا بعد ذلك أيضا إلى B2 خلال شهر كانون الأول من نفس العام.

أما عن أشهر الشركات الكورية التي تم الاستحواذ عليها من قبل شركات أخرى فكانت شركة صناعة السيارات دايو موتورز التي تم الاستحواذ عليها من قبل جينرال موتورز بجانب شركة هيونداي موتورز لصناعة السيارات أيضا التي استحوذت على شركة KIA موتورز والتي طالبت بقرض إنقاذي خلال بداية الأزمة.

أيضا أسواق الأسهم في كوريا الجنوبية عانت كثيرا بسبب إفلاس الشركات وعمليات الاستحواذ وهو ما أدى إلى ارتفاع الدين العام في البلاد بشكل كبير مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي بسبب الأزمة.

ماليزيا

نتيجة الترابط المالي بين الدول الأسيوية تأثرت عملة ماليزيا الرينغيت بالانهيار الكبير الذي أصاب العملة التايلاندية البات، ونتيجة لهذا خسرت الرينغيت الكثير من قيمتها بسبب المضاربات عليها وهو الأمر الذي دفع البنك المركزي إلى اللجوء إلى عمليات رفع أسعار الفائدة بشكل كبير أدى إلى وصولها إلى 40% من 8% . وقد نتج عن هذا موجة بيع هائلة في الأسهم المالية لتصل أسواق الأسهم بالقرب من أدنى معدلاتها وهو الأمر الذي عمل على تراجع التصنيف الائتماني لماليزيا.

هذا وتسببت الأزمة المالية في ماليزيا في التأثير سلبا على معدلات النمو والاقتصاد الحقيقي في البلاد ففي عام 1998 تراجع مخرجات البلاد بشكل كبير دفع معه الاقتصاد إلى الدخول في ركود اقتصادي استمر لفترة طويلة بعد أن انكمشت معدلات الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.2% وعم الركود معه مختلف القطاعات الاقتصادية.

وكان التدخل من قبل السياسة النقدية في طريق إنقاذ العملة من التدهور الحادث لها وجاء هذا عن طريق قرار من الحكومة الماليزية بوقف حرية التبادل على العملة وربط قيمته بقيمة الدولار بنسبة فائدة عند 3.8% ، وعن طريق هذا ارتبطت الرينغيت الماليزي بحركة الدولار صعودا وهبوطا وهو الأمر الذي منع المضاربات على العملة في أن تضعف قيمته في الأسواق أكثر.

أيضا قام الحكومة بتأميم عدد من المؤسسات المالية والبنوك لإنقاذها من الإفلاس بالإضافة إلى شراء الديون المتعثرة والمعدومة والقروض التي يتعثر سدادها من البنوك باعتبار أن هذه هي أفضل الطرق لمواجهة التدهور الحادث في النمو الاقتصادي وفي تحقيق بعض الاستقرار في القطاع المالي، والجدير بالذكر أن الخطوات التي قامت بها الإدارة في ماليزية قد نجحت في تحقيق الاستقرار في أداء الاقتصاد الماليزي. 

اندونيسيا

الوضع مختلفا بعض الشيء بالنسبة لاندونيسيا منذ كونها تتمتع بقطاع مالي مستقر ونظام بنكي قوي وثابت وهو الأمر الذي دفع البعض إلى التوقع في بداية الأمر بأن الدولة ستكون قادرة على مواجهة الأزمة خاصة في ظل الاحتياطي النقدي الضخم الذي تملكه اندونيسيا والذي ظن البعض أنه في إمكانه أن يساعد البلاد على تجنب الإعصار المالي الذي ضرب المنطقة بأثرها.

ولكن ما حدث بالفعل هو بعض القرارات المالية الخاطئة التي اتخذتها السلطات النقدية في اندونيسيا والتي تسبب معها أن تصاب البلاد بعدوى الأزمة المالية. ففي تموز من عام 1997 قامت السلطات النقدية في البلاد بتوسيع نطاق التبادل للعملة الاندونيسية ” الروبية ” لتصبح بنسبة 12% بدلا من 8%، ونتيجة لهذا زاد الطلب على العملة بشكل كبير مما أعطى للعملة قيمة أكثر من الذي يعكسه الأداء الاقتصادي للبلاد، ثم اتخذت الحكومة الاندونيسية قرارا آخر في 14 من شهر آب لنفس العام بإلغاء العمل بنظام التعويم المحدد للعملة وإعطاء العملة حرية التحرك وفتح التداول عليها؛ ونتيجة لهذا أصابت الروبية موجة بيع كبيرة أضعف من قيمتها لتحذو حذو العملات الأسيوية الأخرى.

العملة الاندونيسية كانت تشهد أداء متميز في فترة ما قبل الأزمة مما دفع قيمتها إلى الارتفاع مع زيادة إقبال المستثمرين عليها، وقد صاحب هذا تراجع في تكلفة الاقتراض بالنسبة للشركات والبنوك، ولكن مع الانخفاض الضخم في قيمة العملة وتمكن الأزمة من البلاد بدأت تكلفة الاقتراض في الارتفاع بالنسبة للشركات والبنوك حيث كان الإقبال وقتها على بيع العملة لصالح الدولار لذا فالشركات التي كانت تقترض بالدولار لم تواجه مشكلات جسيمة مثل غيرها من الشركات.

صندوق النقد الدولي تقدم بمساعدة اندونيسيا كغيرها من الدول الأسيوية التي عانت من الأزمة عن طريق تقديم حزمة نقدية بقيمة 23 بليون دولار، ولكن الانخفاض الضخم في الروبية زاد من أزمة البلاد ومنع الخطة التحفيزية من التأثير بشكل إيجابي على الأوضاع الاقتصادية. وكنتيجة طبيعية لهذا شهدت بورصة جاكرتا للأوراق المالية أدنى مستوياتها في شهر أيلول وذلك بعد تخفيض مؤسسة Moody’s الائتمانية للتصنيف الائتماني لسندات الدين طويلة الأجل .

الصين

العملاق الصيني استطاع أن يتفادى أزمة عام 1997 بنجاح فما يميز الاقتصاد الصيني هو كون استثماراته حقيقية وموجهة إلى أصول ملموسة مثل المصانع والشركات والمنشآت التجارية وغيرها… وعلى عكس غيره من الاقتصاديات لم يوجه استثماراته إلى الأسواق المالية وتكوين ديون ائتمانية تؤدي عاجلا أم آجلا إلى الوقوع في أزمة مالية في غنى عنها الجميع.

اعتقد الجميع وسط الانهيار الذي أصاب العملات الأسيوية أن الصين ستقوم هي الأخرى بخفض قيمة عملتها المحلية وذلك لتستطيع منافسة صادرات البلاد الأسيوية التي أصبحت عملاتها منخفضة القيمة بشكل كبير. وقد انعكس هذا بالفعل على الصادرات الصينية والتي تمثل العامل الأهم في النمو في الصين وقد ظهر هذا جليا في التباطؤ في النمو الذي حققته الصين في عامين 1998 و 1999 .

وكنتيجة لهذا التدهور في الصادرات اضطرت السلطات النقدية إلى تخفيض قيمة اليوان الصيني وقد انعكس هذا أيضا على أسواق الأسهم وهو ما تسبب في بعض التخفيض الائتماني، وهو الأمر الذي كان قادرا على القضاء على الأرباح التي شاهدتها الصين قبل بدأ الأزمة الأسيوية.

سنغافورة

سنغافورة كانت من الدول التي تأثرت ولكن بشكل طفيف من الأزمة المالية الأسيوية، فقد دخلت البلاد في ركود اقتصادي طفيف لم يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد، في حين قامت السلطات النقدية بتخفيض قيمة العملة بمقدار 20% في محاولة منهم للقضاء على التأثير السلبي لانهيار العملات الأسيوية حولهم ولكن لم تتدخل حكومة البلاد أو سلطاتها النقدية في الأسواق المالية بأكثر من هذا .

اليابان

الاقتصاد الثاني عالميا اليابان تأثر هو الآخر بالأزمة الأسيوية عام 1997 وذلك ليس بسبب تورطه ماليا مع الدول الأسيوية والمحيطة ولكن بسبب كون 40% من صادراته موجهة إلى المنطقة الأسيوية في هذا الوقت وهو الأمر الذي يمثل ثقل بالنسبة لدعم النمو الاقتصادي. فالركود والضعف الذي أصاب الدول الأسيوية المحيطة باليابان أثر على الطلب من قبل هذه البلاد وهو ما انعكس سلبا على أداء قطاع الصادرات في اليابان الذي يمثل أحد أهم عوامل دعم النمو.

ومع التراجع الحاد في الصادرات بدأت الشركات اليابانية في أن تعاني من الأثر السلبي وهو ما دفع عدد من الشركات إلى إشهار إفلاسها ونتيجة لهذا تأثرت معدلات النمو بشكل كبير حيث سجل الاقتصاد الياباني نمو بنسبة 1.6% خلال عام 1997 بعد أن كان النمو بنسبة 5% .

وكنتيجة لهذا التدهور الاقتصادي تأثر السن الياباني بشكل كبير ليشهد موجة بيع ضخمة ليصل إلى الأدنى له عند مستويات 147 . ولكن ما ساعد الأمور على أن لا تتدهور أكثر كان الاحتياطي النقدي الضخم الذي تملكه اليابان والذي ساعد على تهدئة الأوضاع المالية في البلاد وخاصة بالنسبة للين الياباني.

ولكن الأزمة استمرت في النيل أكثر من الاقتصاد الياباني والذي سقط في ركود اقتصادي عام 1998 بعد أن فشل في التواصل مع الدول الأسيوية المحيطة به بعد الضعف الكبير في الصادرات المحرك الأول للنمو في اليابان.

الاقتصاد الياباني حقبة ما بعد الحرب

اليابان تحتل المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي هو الفارق بين ما تصدره الدولة و ما تستورده من سلع و خدمات حيث تشكل التجارة اليابانية 7% من التجارة العالمية، فيما تحتل اليابان المركز الثالث عالميا من ناحية القدرة الشرائية للأفراد بعد أمريكا و الصين.

فما أوصل اليابان إلى هذه المراكز المتقدمة على الصعيد العالمي هي الصناعات خاصة الثقيلة منها و التي تشكل العصب و المحرك الأساسي للاقتصاد حيث تعد اليابان أكبر منتج للحديد و الصلب و السيارات و السفن في العالم، فعلى الرغم من أنها لا تمتلك العديد من الموارد الطبيعية إلا أنها تستورد المواد الخام و تقوم بتحويلها إلى مواد أولية و من ثم بيعها و تصدريها.

التنوع الكبير في الصناعات اليابانية و درجة التنافس الكبيرة التي حققتها مختلف الشركات اليابانية على الصعيد العالمي من خلال الجودة العالية التي قدمتها على مر السنين حتى تلك المختصة بالخدمات إذ أن قطاع الخدمات بات يشكل ثلاثة أرباع الاقتصاد لتصبح بعض من شركات الخدمات رائدة في العالم أبقت اليابان من أكبر القوى الاقتصادية عالميا، إذ أن البنك المركزي الياباني الآن يمتلك ثاني أكبر احتياط في العالم بعد الصين.

الحرب العالمية الثانية

و لكن الأوضاع لم تكن دائما كذلك، حيث مرت اليابان في أوقات صعبة خلال فترة الحرب العالمية الثانية خسرت فيها كل طاقاتها و ازدهارها التي كانت قد حققتها بدئا من أعوام 1868 مع حقبة الإمبراطور Meiji الذي طور نظام التعليم و أسس النظام الصناعي في البلاد، إذ عاد الظلام يخيم على سماء البلاد و أهم المعالم كانت الدمار، البطالة و التضخم.

فبعد الحظر النفطي التي وضعته الولايات المتحدة على اليابان بعد أن غزت أجزاء من الصين في عام 1937 لتدوم الحرب بين اليابان و الصين حتى 1945، قامت اليابان في 7 من كانون الأول من عام 1941 بشن هجوم على بيرل هاربر في الولايات المتحدة معلنة الحرب ضدها لتكون نقطة دخول أمريكا في الحرب العالمية الثانية.

في عام 1945 بعد أن أطلقت الولايات المتحدة القنبلة النووية على هيروشيما و ناجاساكي قامت اليابان بالاستسلام من غير شروط، لتبدأ حقبة الاحتلال الأمريكي الذي دام من 1945 إلى 1952 إذ تم في غضون هذه الأعوام إنشاء دولة ديمقراطية بينما أنفقت الولايات المتحدة 1.9 بليون دولار لإعادة البناء، و لكن الحرب العالمية الثانية تركت جروح عميقة في اليابان التي خسرت ملايين الأرواح بينما شهد الاقتصاد الياباني تدمير 40% من البنية التحتية له فيما تبددت غالبية الثروات التي تم جمعها في العقود السابقة للحرب.

و لكن هذا الدمار حفز اليابانيين على توجيه كل طاقاتهم من أجل إعادة بناء الدولة سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا خاصة أنهم كانوا يمتلكون بعض الخبرات من السابق، لذا ففي غضون أعوام قليلة و حتى منتصف الخمسينيات تم تطوير الصناعات بأفضل التكنولوجيات لتكون السلع و المنتجات ذو جودة عالية إذ كانت خاضعة لرقابة صارمة في كل مراحل الإنتاج مما حسن من سمعتها في الأسواق العالمية.

و في أعوام الستينيات التي اعتبرت الأعوام الذهبية بعد أن فتحت اليابان أبوابها إلى السوق العالمي تم تطوير أنواع جديد من الصناعات مثل السيارات، الكيماويات، السفن و النسيج خاصة مع السياسة التي اتبعها رئيس الوزراء Ikeda Hayato الذي كان له دور فعال رئيسي في عودة انتعاش الاقتصاد الياباني الذي وصل إلى نمو بنسبة 13.9% عندما ترك منصبه، حيث أقبل على تخفيض الفائدة و الضرائب من أجل تشجيع الاستهلاك، زيادة الإنفاق الحكومي على تطوير البنية التحتية و بعض من سياساته ما تزال متبعة إلى الآن، إذ تم حينها تحقيق المعجزة الاقتصادية ففي عام 1965 وصلت قيمة الناتج المحلي الإجمالي إلى 91 بليون دولار.

أيضا زيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات خاصة الطاقة و الصناعات التحويلية و المواصلات، بينما تم تطوير النظام التعليمي ليساهم في توعية اليابانيين لتتشكل قوة عاملة فعالة، قوية و ذو مهارة عالية ساهمت بشكل رئيسي في تحسين مستويات الإنتاج بعد أن انتقلت شيئا فشيئا من القطاع الزراعي إلى قطاعات أخرى، في حين تم تنويع مجال عمل الشركات و تم تحرير التجارة لتصبح أكثر تنافسا على الصعيد العالمي و هكذا عادت مستويات الإنتاج في منتصف أعوام الخمسينيات في اليابان إلى سابق عهدها بل و أفضل.

من خلال السمعة التي اكتسبتها السلع و المنتجات اليابانية زادت ثقة المستهلكين العالميين فيها و بما أن الأسعار كانت أقل شهدت اليابان ارتفاع حاد في الصادرات فاقت الواردات خاصة إلى الولايات المتحدة التي وصلت إلى 20.0% من 2.0% لتصبح أكبر سوق للمنتجات اليابانية حتى يومنا هذا، و هكذا ما بين أعوام 1953 و 1965 شهدت اليابان نمو في الناتج المحلي الإجمالي فاق 9.0%، أما في أعوام 1970 و 1973 تم تطوير قطاع الخدمات الذي بدأ يعادل الصناعات في أهميته.

أزمة النفط

بما أن اليابان كانت قد أصبحت من كبرى بلدان العالم صناعيا و كان اعتمادها على النفط المستورد كبير فإن أزمة النفط لعام 1973 و التي استمرت حتى 1986 زعزعت الاقتصاد الياباني و خاصة الصناعات بشدة، حيث بدأت هذه الأزمة في 15 من تشرين الأول من عام 1973 بعد أن قامت منظمة أوبك للدول العربية المصدرة للبترول بالإضافة إلى كل من مصر و سوريا بحظر إمدادات النفط عن الولايات المتحدة و دول أخرى مؤيدة لإسرائيل في احتلالها لفلسطين و لأجزاء من مصر وسوريا.

لكن المشكلة لم تتوقف على تخفيض الإمدادات إذ قام أعضاء أوبك في 19 من تشرين الأول بالإقرار على رفع أسعار النفط لتعم الفوضى في الأسواق بالتالي صعد سعر البرميل أربعة أضعاف ليصل إلى 12 دولار للبرميل من 3 دولار للبرميل، الأمر الذي ولد تضخم شديد فيما كانت العديد من الدول الصناعية تشهد تباطؤ في نشاطاتها الاقتصادية بسبب تضرر هذا القطاع بالتالي و بعد انهيار أسواق الأسهم الذي بدأ عام 1973 و حتى 1974 فقد دخل العالم حالة ركود شديد.

استمرت الآثار السلبية لهذه الأزمة لسنوات طويلة على الرغم من إقبال البنوك المركزية لتخفيض حاد في أسعار الفائدة لتحفيز النمو، بينما كانت هذه الحادثة عاملا محفزا للعديد من الدول التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على النفط المستورد للبحث عن طاقة بديلة مثل الفحم، الطاقة النووية و الطاقة الشمسية، فيما زادت الضغوطات على عدد من الدول لاستغلال المصادر النفطية المحلية كما حصل في الولايات المتحدة.

في اليابان أزمة النفط كانت السبب وراء أول تراجع في الصناعات اليابانية بعد الحرب العالمية الثانية متزامن مع ارتفاع حاد في التضخم، و لكن بالمقابل تم التوجه نحو صناعات الأقل تطلبا للطاقة و النفط و ذات التكنولوجيا العالية مثل الإلكترونيات لتشمل الأدوات الكهربائية و الكمبيوترات التي تم تطويرها في تلك الفترة لتصبح من الصناعات الضخمة في اليابان، بينما في تلك الفترة تم أيضا تطوير قطاع الخدمات.

تبعا لهذا النهج الجديد نجحت اليابان في إبقاء اقتصادها على نمو في أعوام السبعينات و الثمانيات ما بين 4%-6% على الرغم من أن مواردها الطبيعية قليلة بينما العديد من الدول كانت تختبر أوضاعا صعبة للغاية خاصة أن أزمة نفط أخرى تولدت في عام 1979 عندما خفضت إيران تصديرها للنفط مما ساهم في ارتفاع أسعار النفط من جديد و لكن منذ عام 1980 و حتى 1986 عندما انتهت أزمة النفط استمر أسعار النفط بالانحدار.

أعوام الثمانيات حتى الوقت الحاضر

منذ بداية الستينيات و حتى الثمانيات حافظت اليابان على أدائها الرائع إذ كان معدل النمو في الستينيات 10% و في السبعينيات 5% لتصبح في المركز الثاني عالميا بعد الولايات المتحدة فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي و في الثمانيات 4.0%، و لكن نظرا لإقبال اليابانيين على الادخار الذي زاد السيولة في البنوك و نظرا للاستثمار الأكثر من اللازم في الثمانيات التي شكلت فقاعة خاصة في القطاع العقاري بينما ارتفع مؤشر نيكاي 225 للأسهم اليابانية في 29 من كانون الأول من عام 1989 إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 38957.44 و ارتفاع الين جميعها كانت عوامل ساهمت في وقوع الاقتصاد في ركود.

عندما انفجرت الفقاعة وقع الاقتصاد في ركود عام 1992 خاصة أن البنك المركزي الياباني تأخر في تخفيضه للفائدة بالتالي خرجت العديد من الأموال لخارج البلاد بينما تراجع الاستهلاك المحلي و الثقة بالاقتصاد بشدة و تضررت العديد من الصناعات حتى القوية منها مثل السيارات و الإلكترونيات، في حين أن البنوك باتت عاجزة عن تقديم القروض بسبب تراجع السيولة التي دفعت بعض الشركات المالية للإفلاس.

بدأ الاقتصاد الياباني يختبر انكماش التضخم في بداية التسعينيات و هكذا أقبل البنك المركزي على تخفيض الفائدة بالقرب من الصفر و أبقاها عند هذه المستويات لفترة طويلة و لكن لم تنجح في رفع الأسعار، و بالرغم من أنه في 2006 عاد البنك المركزي الياباني برفع الفائدة إلى 0.5% إلا أن هذه الفائدة ما زالت الأدنى بين الدول الكبرى في حين أن مخاطر انكماش التضخم ما زالت تهدد الاقتصاد حتى وقتنا الحالي.

آثار انفجار الفقاعة دامت لفترة طويلة في الاقتصاد خاصة في أسواق الأسهم حيث تراجع مؤشر نيكاي في نيسان من عام 2003 حتى الأدنى 7603.76 قبل أن يرتد من جديد حتى الأعلى عند 18138 في حزيران 2007، بينما الفائدة المتدنية لفترة طويلة و الضمانات القليلة التي طالبتها البنوك ساهمت في تولد ظاهرة جديدة و هي تجارة العائد التي يقوم فيها المستثمرين بالاقتراض في الأصول منخفضة العائد و الاستثمار في الأصول مرتفعة العائد من أجل تحقيق المكاسب من الفارق بين أسعار الفائدة.

**** منقول ****

بقلم

malgendy

محلل فني لاسواق المال

3 آراء حول “الأزمة المالية الأسيوية عام 1997

  1. أستاذ محمد الجندي انا ايضا مهتمة كثيرا بالشأن الياباني لا أعرف ام أنه مجرد موضوع شد اهتمامك من ضمن المواضيع

    إعجاب

أضف تعليق